عن العسكر وقضية المنظمات … عندما تخدم نظرية المؤامرة المتآمر الحقيقي

بقلم : أحمد بكر*


تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

 يقولون عاشت مصر ثلاثين عامًا من الفساد هي فترة حكم مبارك وأقول عشنا ستين عامًا من الفساد هي الفترة التي مرت علينا منذ تنحي الملك فاروق، وهو التنحي الذي كان يفترض أن يأتي بعده حكمًا رشيدًا وازدهارًا، غير أننا وُرثنا من فاسد لآخر أفسد منه، وبرهان ذلك بسيط يتجلى في حالنا، فلم نشهد من حينها رخاء قط، بل خرجنا من انتكاسة لأخرى.

 يقولون أرهقتنا الحروب، وأقول أرهقتنا عقليات فاسدة زرعت فينا الإيمان العميق بأن نظريات المؤامرة تحاك ضدنا طوال الوقت، حتى بتنا نرى كل تصرف أخرق وكأن من ورائه حكمة عظيمة وأمور تخفى علينا لن يدركها البسطاء أمثالنا.

 الناظر لحماقات المجلس العسكري الأخيرة وتدني عقليات السذج الباحثين عن مبررات لها يدرك المتآمر الحقيقي بكل سهولة، الغريب أنه بدلاً من الحديث عن حماقة المجلس في سعيه لاختلاق “فيلم هابط” يروي قصة منظمات تسعى لتخريب مصر ودور مجلس عظيم أجهض مخطط خبيث، وجدنا حديث البعض يتجه صوب “الصفقات اللولبية السرية” وتبادل الأسرى، بل وصل الأمر لطائرات وسفن ستنضم لمنظومتنا الدفاعية، وكأن أمريكا ستسلحنا، نحن جارة إسرائيل، بأسلحة تفوق إمكانات جارتنا، التي يصف الرئيس الأمريكي دعم بلاده لها بأنه دعم “مقدس”.

 الغريب أيضًا أن تجد البعض ينادي برحيل واستقالة القضاة دون أن يذكروا المجلس بسوء، وكأنه قدر لنا أن يكون حالنا دائمًا هو مخاطبة فرع المشكلة لا أصلها، لنستمر في حالة العبث التي نعيشها منذ النظام السابق.

 الواقع أن خطط تقسيم مصر لثلاث دويلات كانت بكل بساطة خرائط مراحل الانتخابات، والواقع أن هذه المنظمات قدمت تدريبًا لكافة التيارات السياسية على الساحة، العلمانية منها والإسلامية، والواقع أيضًا أن مجلسنا الموقر برهن بما لا يدع مجالاً للشك مدى الحماقة التي هو عليها، فقد أختلق فيلمًا يعلم أنه لن يستطيع أن يلعب فيه دور البطولة، بل أن أكثر دور له فيه سيكون “الفاسد” الذي يجلب العار لمن حوله.

 إن كان ظنه أن دور هذه المنظمات ما هو إلا دور تخريبي، وأثار زوبعته قبل التيقن من ذلك، فهذه حماقة لا تأتي إلا من الهواة، وإن كان يدرك يقينًا حينها أنها منظمات تخريبية، وظن أنه سيصل إلى حل بطريقته هذه، فهذه حماقة أكبر، فهو لم يجلب لنا إلا العار، أهاننا وأهان هيبة قضائنا.

 يمكننا أن نقارن، بشكل أو بآخر، بين موقف المجلس العسكري هنا وبين موقفنا بشأن قافلة شريان الحياة في عهد أحمد أبو الغيط، وهو الوزير الذي كان بمثابة انتكاسة للخارجية المصرية لعدم أهليته على إدارة أي أزمة، فبدلا من تناول الموقف حينها بحكمة صعدنا الأمر واتُهمنا بالخيانة وحصدنا العار لإيقاف وتعطيل القافلة، ثم بررنا ذلك بأنها محاولة للنيل من مصر التي كانت وستظل تدعم القضية الفلسطينية، لتلعب نظرية المؤامرة دورها مرة أخرى وتستغل للتغطية على المتآمرين الحقيقيين.

 المجلس العسكري امتداد لنظام قديم اتبع نفس النهج وله نفس الحماقات، كلاهما يتخذ خطوات غير محسوبة معتمدًا على التوجه التلقائي لبعض بسطاء الشعب نحو تبرير أي أمر بأنه جزء من نظريات التآمر على مصر التي يتخلص منها النظام دائمًا بـ “صفقات لولبية”، كل التطورات الجارية تشير إلى ضرورة رحيل المجلس العسكري، لكن حتى إن كان ينتوي الرحيل، ما المدة التي نحتاجها لننظف الساحة من كل القذارات الموجودة بها.

روبرت فيسك: حقائق خفية وراء بقاء الأسد في السلطة

إعداد: عبده جادالله

في مقال نشر على صحيفة الإندبندنت البريطانية هاجم الصحفي المرموق روبرت فيسك ما أسماه “نفاق” قادة الدول الغربية بشأن موقفهم من أحداث سوريا وخاصة أحداث حي بابا عمرو الأخيرة في مدينة حمص التي يصفها بـ”بنغازي” سوريا التي ستكون بداية الزحف إلى دمشق.

انتقد فيسك الدور التي تلعبه دول الغرب ودول الخليج بالسكوت عن “مجازر” يقوم بها نظام بشار الأسد البعثي ” النازي” الذي “تتلاعب” به زوجته أسماء والتي وصفها بـ” إيفا براون” و”ماري أنطوانيت”.

وجه فيسك انتقاده لساركوزي وكاميرون وكلينتون لرفضهم تسليح المعارضة السورية داعياً المسلحين إلى ضرورة توحيد أنفسهم مثلما اتحدت المعارضة الليبية التي تمكنت بمساعدة قوات الناتو للإطاحة بالقذافي من الحكم.

أرجع فيسك الموقف الغربي “المنافق” إلى وجود الانتخابات في العديد من الدول ذات الصلة بالأزمة مثل فرنسا وروسيا وإيران. وأضاف أن من يشعل أتون الحرب والمجازر في سوريا هم القادة العسكريين وأعضاء حزب البعث الذين سيحاربون حتى الموت لكي لا يخسروا مصالحهم السياسية والاقتصادية وأنهم يدركون تماماً أن الإطاحة بالأسد تعني “نهايتهم”. وتهكم فيسك على الشعارات التي يرفعها النظام السوري باسم “القومية العربية” للتخلص من حلف “القاعدة-الصهيوني-الإسلامي” .

المجلس العسكري بين المطرقة والسندان

إعداد: عبده جادالله

سمحت السلطات المصرية بسفر الأميركيين الموقوفين في قضية تمويل المنظمات المدنية ، في تطور سريع ومفاجئ في القضية التي شغلت الرأي العام المصري والأميركي خلال الأسابيع القليلة الماضية. شهدت القضية حالات من  الشد و الجذب بين الطرفين هدد فيها الجانب الأميركي بقطع المعونة التي تصل إلى أكثر من بليون دولار سنوياً قابله تصريحات نارية من المسؤولين العسكريين المصريين الذين تحدثوا عن مؤامرة تهدد مصر وجواسيس وسيادة الدولة ورفض الركوع للضغوط الأجنبية .. إلخ. في النهاية سمحت السلطات المصرية أو النائب العام أو المجلس العسكري أو الجهة السيادية أو اللهو الخفي أو .. أو.. أو.. للأميركيين بالسفر وكانت السفيرة الأميركية في وداعهم  في مطار القاهرة حيث حطت طائرة خاصة لنقلهم إلى قبرص

في قراءة بسيطة لهذا التطور في القضية يمكن أن نرى إلى أي مدى رضخ المجلس العسكري إلى الضغوط الأميركية بالرغم من أن الأميركيين مازالوا قلقين بشأن الحكم النهائي في القضية. لا نستطيع الجزم أن هؤلاء الأميركيين متورطون في أي نشاط ضد مصر، لكن نستطيع أن نسأل سؤالاً بريئا: لماذا تم منعهم من السفر من الأساس؟ وكيف يمكنهم السفر إذا لم يتم حسم قضيتهم؟ يعني إذا كانوا متورطين فالعار كل العار أن يتم الإفراج عنهم مهما كان الثمن. وإذا كانوا غير متورطين فالعار كل العار أن يتم حبسهم و تثور كل هذه الثائرة عليهم ما يعكس إما أن القيادة السياسية غافلة أو مغفلة و عاجزة عن إدارة أي أزمة.

شبعنا من الشعارات الطنانة والحديث عن المؤامرات الخارجية واستهداف مصر من أميركا وإسرائيل. الشيء الوحيد الثابت أن هذا الكلام فارغ وآخر من يؤمن به هو من يردده. فكيف تتحدث عن مؤامرة إسرائيلية على وتصدر لهم الغاز والبترول والدقيق وكيف تتحدث عن تواطؤ أميركي ضد مصر وفي الوقت نفسه تستقبل قادة عسكريين وتحتفي بهم وترضخ لضغوطهم.

المجلس العسكري لم ينجح حتى الآن في أي شيء سوى ازدياد معدل كراهيته يوماً بعد يوم. سوء إدارة بالغ لجميع الأزمات يعكس مدى التخبط الذي يعيشه المجلس الذي يحاول جاهداً تحقيق التوازن بين مصالحه السياسية والاقتصادية ومستقبل مصر الذي لا يعلمه إلا الله. المجلس العسكري “كالمنبَت” لا “أرضاً قطع ولا دابة أبقى” فلا نجح في إرضاء الشعب الثائر الذي يطمح في مستقبل أفضل ولا أرضى “أولياء النعم” في الخارج.

يعتمد المجلس في الأساس على بالونات الاختبار، أداء ركيك وبطئ، عدم قدرة على تسيير حكم البلاد للخروج من هذا النفق المظلم إلى بر الأمان. ما رأيناه في الشهور الماضية يعكس مدى تغلغل عقلية نظام مبارك في المنظومة الإدارية التي تحكم مصر، مازال الفساد موجوداً وهذا طبيعي جداً لأن شيئاً لا يتغير بين يوم وليلة، إلا أن المشكلة تكمن في عدم الرغبة في القضاء على هذا الفساد.

للأسف نجح نظام مبارك في تغيير التركيبة النفسية للإنسان المصري ، يتغير الإنسان بمجرد الجلوس على أي كرسي، فتجد لغته ومواقفه تتغير كلياً.  نحتاج إلى ذهنية مختلفة متشبعة بالروح الوطنية تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار وتسمو فوق المصالح الحزبية والعقيدة السياسية. المشكلة أن المشهد السياسي لم يفرز بعد نخبة قادرة على كسب ثقة الشعب والعبور بمصر إلى بر الأمان.

اهتزاز المجلس العسكري وتخبطه جعله يفقد ثقة الناس في الشارع وبات غير قادر على حماية المواطن البسيط الذي يبكي من أجل أنبوبة بوتاجاز ويفقد ابنه في ملعب لكرة القدم ويقطع الطريق لعدم توفر رغيف العيش. مصر لا تحتاج تغيير شكلي في نظام الحكم، نريد أن نرى مصر في المكانة التي تستحقها  وتليق بها وبتاريخها، فنحن لدينا من الموارد والقدرات ما يفوق غيرنا من الدول المتقدمة. المشكلة تكمن في العقلية التي تدير البلاد. كانت المعايير في اختيار من يقود مصر خلال 30 عاماً تعتمد على الولاءات وليست الكفاءات. إلا أنه آن الأوان أن تتغير الصورة ويرجع الحصان أمام العربة لكي تسير ونرى حكومة مصرية وطنية تستعيد مرة أخرى مكانة مصر المأمولة.

على هامش الثورة

يجب أن ندرك أن سياسة التخويف و التفزيع ونظرية المؤامرة استخدمتها النظم القمعية والعسكرية العربية لعقود من الزمن لضمان بقاءها في الحكم. فنظام مبارك يتحدث عن إسرائيل كعدو وأعز أصدقاء مبارك كان بنيامين بن أليعازر قاتل الأسرى المصريين في نكسة 1967. النظام العلوي السوري يتحدث عن إسرائيل كعدو بينما الجولان محتلة منذ 40 عاماً برضا النظام السوري. إيران الخميني تتحدث عن أميركا “الشيطان الأعظم” بينما تعقد صفقة أسلحة سرية مع أميركا بمساعدة إسرائيل ودول أخرى.

إن الشعوب العربية باتت لا تؤمن بمثل هذه الترهات، حيث أن ما ارتكبته النظم العربية ضد شعوبها الثائرة في ليبيا وسوريا واليمن  فاق بمراحل ما ارتكبته جيوش الاحتلال في العصر الحديث وأخص بالذكر إسرائيل والولايات المتحدة.

إلى الملتقى …

ويكليكس و ستراتفور الأمريكية… العرب في البرقيات السرية

إعداد: عبده جادالله

بدأ موقع ويكيليكس الشهير نشر بعض الرسائل الإلكترونية والبرقيات السرية الخاصة بوكالة “ستراتفور” التي تعمل في مجال الاستخبارات والتحليل الاستراتيجي والمقربة من المخابرات الأميركية ويترأسها المحلل السياسي الشهير جورج فريدمان، ويقدر عدد هذه الرسائل بأكثر من 5 ملايين برقية تعود للفترة ما بين يوليو 2004 وديسمبر 2011.

وفي أول تعليق له على تسريب هذه الرسائل أصدر فريدمان بياناً نُشر على موقع الوكالة أوضح فيه أن تسريب هذه البرقيات أمراً “مؤسفاً وتعيساً وخرقاً غير قانوني للخصوصية”. وأضاف فريدمان أن هذه البرقيات التي “سُرقت” من قاعدة بيانات الوكالة ربما يكون صحيحاً والبعض الآخر تم “تزويره”، مؤكداً أن أنظمة الحاسب قد تم إعادة حمايتها لضمان عدم اختراقها مرة أخرى. وأكد فريدمان أن وكالته – بصفتها مؤسسة معنية بالتحليل الجيواستراتيجي- قد عملت جاهدة لتوطيد علاقتها بمصادر عدة من مختلف دول العالم منها أفراد ومؤسسات إعلامية محلية معتذراً عن أي أضرار يمكن أن تكون قد لحقتهم. وأضاف “سنسعى جاهدين للإستمرار بنشر التحليلات السياسية المستقلة المعنية بالشئون الدولية”.

وسأبدأ هنا بنشر ترجمات لأهم ما تضمنته هذه الرسائل بشأن المنطقة العربية وشئون الشرق الأوسط

في برقية يعود تاريخها إلى 17 ديسمبر 2011 أرسل المحلل في الوكالة بايسلي بارسلي تقريراً حول بعض الملاحظات التي زودهه بها أحد أصدقائه القدامى وهو رائد في استخبارات الجيش الإسرائيلي حول “الربيع العربي” قائلاً له أنها ليست ربيعاً بل “الكارثة”. وعلق بارسلي على هذا الحوار قائلاً أن التواصل مع عناصر الاستخبارات الاسرائيلية صعب للغاية لأنه غير مسموح لهم بفتح أي بريد إلكتروني له كلمة مرور في مكان العمل. وأضاف أنه عندما سأل أحدهم عما إذا كانوا قد تلقوا تدريبات على يد الأميركان أجابه بأنهم – أي الإسرائيليين- أكثر إبداعاً منهم ليسوا في حاجة لأي تدريب أميركي. وأكد بارسلي أن الاستخبارات الإسرائيلية لا تعير اهتماماً لصعود الإسلاميين إلى الحكم في المنطقة بقدر اهتمامهم بـ”الخطر الإيراني” و تمدد ما يسمى “بالهلال الشيعي”.

وفيما يخص الشأن المصري، انتقد رجل الاستخبارات الإسرائيلي السياسة الأمريكية الخارجية مؤكداً أن شيئا لم يكن يتغير في المنطقة لولا “تخلي إدراة أوباما عن مبارك” وهذا ما أدى – حسب رأيه – إلى فقدان مصر لدورها الريادي في المنطقة. كما أعرب عن حبه للسياسة الخارجية التي كان يتبعها الرئيس السابق جورج بوش. وعلق ستانلي أنه يشعر أن الاستخبارات الإسرائيلية ليست واثقة أن المجلس العسكري الحاكم يستطيع الإبقاء على الوضع السياسي كما هو.

وفي برقية أخرى مؤرخة 13 ديسمبر 2011  كتب مافريك أحد محللي الوكالة تقريراً بعنوان “التحديات المعاصرة – مصر ما بعد مبارك” وخلُص إلى أن شيئاً لم يتغير على الساحة السياسية المصرية حيث أن البلاد ما تزال “منعزلة” عن العالم الخارجي ومعتمدة بشكل كبير على المساعدات الاقتصادية الخارجية. وأضاف التقرير أن العسكر بدأوا في التغلغل في الإقتصاد المصري منذ قيام ثورة يوليو وأدى ذلك إلى نوع من الاستقرار السياسي منذ السبيعينيات إلى مابعد عام 2000 . خلص التقرير إلى أن ظهور جمال مبارك في المشهد السياسي مثل ” تحدياً ” للنخبة العسكرية بعدما سعى ومعاونوه من رجال الأعمال إلى خصخصة القطاع العام وشكل بذلك تهديداً للوضع السياسي والإقتصادي لهذه النخبة العسكرية التي رأت أن جمال مبارك – الذي لم يؤدي الخدمة العسكرية – لا يصلح لإدارة البلاد بعد أبيه.

وأضاف التقرير أن الشهور القليلة التي سبقت اندلاع ثورة يناير قد شهدت اجتماعات مكثفة للعسكر مع مبارك لمحاولة إقناعه بالعدول عن فكرة التوريث وبالتالي حاولوا الظهور بصفتهم الحامي الأول للثوار والثورة منذ الأيام الأولى لاندلاع التظاهرات و الاحتجاجات ضد مبارك. ويشير التقرير إلى أن العسكر يتمنون العودة مرة أخرى لسابق عهدهم عندما كانوا يمثلون قوة سياسية واقتصادية ولكن من خلف الكواليس. وأضاف أن العسكر باتوا يستخدمون خطة “فرق تسد” لتفريق صفوف القوى المعارضة خاصة بعد محاولات العسكر تغيير الدستور بما يتيح لهم السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.

وفي تعليقه على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، أوضح مافريك أنه من المستبعد أن يطرأ أي تغيير عليها حيث اعتبرها “ضمانة أمنية خارجية” لكلتا البلدين مؤكداً أن موازين القوى في المنطقة ترتكز على هذه المعاهدة.

في النهاية يجب القول أن مثل هذه التقارير والتحليلات الاستراتيجية يعد أمراً مهماً للقارئ العربي لمعرفة كيف يفكر فينا الأخرون وكيف أصبحت قراءة الغرب لنا أوقع من قرائتنا لأنفسنا …. فهل من قارئ؟؟

إلى الملتقي…

مرور عام على سقوط النظام

بقلم : عبده جادالله

تهل علينا غداً الذكرى الأولى لتنحي الرئيس السابق حسني مبارك في سابقة لم تشهدها مصر إلا نادراً على مر التاريخ. مرَعام ولم يتحقق من مطالب الثورة التي أطاحت بأعتى النظم البوليسية في المنطقة سوى القليل، إلا أن ضوءاَ خافتاً يلوح في الأفق البعيد المظلم ينذر بأن الخير قادم لا محالة. الله عز وجل بإرادته وحوله أطاح بهذا النظام البغيض وهو القادر وحده بأن ترتسم البسمة على شفاه الشباب أملاً في مستقبل جديد. الشعب المصري لم يعد يحتمل أن يعيش مرة أخرى تحت سيطرة حاكم مستبد أو نظام فاسد. جاءت الثورة المصرية لتحرر الناس من الخوف وتطلق العنان للناس لأن يحلموا بالحرية و العدالة الإجتماعية والديمقراطية و حرية التعبير. لم يتحقق من آمال الشعب إلا مجلس الشعب. وبالرغم من أهميته إلا أن الكثير من طموحات ومطالب وآمال الشباب الأخرى لم يتحقق بعد. مازالت هناك دوائر في مصر لم ترض أو تقتنع بما حدث إلا أنهم رضخوا صاغرين لهدير الجموع الغفيرة وأزيز الثورة الشعبية الجارفة.

يبدو المشهد السياسي في مصر ضبابياً وحائراً بين رومانسية الثورة وآمالها وتعقيدات الواقع وآلامه. اندلعت الثورة وروى الشهداء بدمائهم ميادين مصر ليرسموا بهذه الدماء مستقبل هذا البلد، إلا أن شيئاً من هذا المستقبل لم يتحقق بعد. ما قبل التنحي راح الكثير في جمعة الغضب وموقع الجمل وبعد التنحي راح أيضاً الكثير في مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء ومذبحة بورسعيد. تعكس هذه الشواهد جميعاً أن شيئاً ما يريد لهذه الثورة ألا تكتمل أو أن تؤتي ثمارها. في بداية الثورة اتحد الجميع بمختلف مشاربهم وأيديولوجياتهم على مطالب واحدة وأهداف مشتركة إلا أنه بعد الثورة أصبح المشهد متشابكاً وافترقت هذه التيارات والأيديولوجيات على أهداف مختلفة. لم تعد رومانسية الثورة ووحدتها كما كانت عليه في الأيام الأولى.

يبدو أن أعداء الثورة من الداخل والخارج يريدون إجهاضها وأن يفرغوها من مضمونها عن طريق إشغال الرأي العام بأمور جانبية وصراعات سياسية. وأنا هنا لا أبريء ساحة المجلس العسكري من الضلوع بشكل مباشر أو غير مباشر في تأزيم الوضع السياسي في مصر لاعتبارات عدة منها مصالح سياسية و اقتصادية متشابكة ومحاولة مستميتة لما يسمى بـ”الخروج الآمن” . إلا أن الثابت والأكيد أن العسكر بأحذيتهم الغليظة لا يصلحون بأي شكل من الأشكال أن يحكموا مصر مرة أخرى بعد أن حكموها على مدار ستين عاماً لم نجني فيها سوى التأخر عن ركب الكثير من الأمم التي لم تكن تحلم يوماً أن تكون عشر معشار مصر. حكمنا العسكر عقوداً فتراجعنا للخلف قروناً. لم يعد لمصر سوى أن يحكمها من هم من جلدتنا يعانون نفس مشاكلنا ويحسون بنا. الأمن غائب أومغيب بفعل فاعل، والمواد الأساسية برغم توفرها إلا أنها لا تصل لمستحقيها، والأزمات المفتعلة كثيرة ومتنوعة بين سطو مسلح ، وشغب مباراة كرة قدم و حرق مبنى الضرائب والمجمع العلمي.

الأمل قادم بالصبر والتأني و التوجه إلى الله أن ينقذ مصر من أعداء مصر في الداخل و الخارج.

أدعو الله عز وجل أن يخرجنا من هذه الأزمة قريباً وأن يرى الشباب الصامد ثمرة كفاحهم وثورتهم الغالية.

وإلى الملتقى في الحلقة القادمة

ولا يفتني أن أرفق هذا الفيديو تكريما لذكرى من قضوا في مذبحة بورسعيد

عاش الألتراس منشدو أهازيج الحرية في زمن الخوف

الأزمة السورية وتداعياتها على الداخل اللبناني

كتبه: كريم حوراني*

راجعه: عبده جادالله

في خضم الأحداث الدامية و القمعية في سوريا، يتساءل كثيرون عن مدى تأثير هذه الأحداث على لبنان عمومًا وعلى حزب الله تحديداً. فالعلاقة اللبنانية السورية هي علاقة حب و كراهية قديمة جدًا. فلطالما خاض النظام السوري حروبه على الأرض اللبنانية قديمًا وحديثاً، كما أن أزمة الصراع العالمي امتدت خيوطه حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من كيان هذا البلد الصغيروالدليل على ذلك  أن الصراع الداخلي  بين الفصائل السياسية اللبنانية داخل هذا البلد الصغير هو امتداد لصراع خارجي أكبر سواء كان إقليميًا أم دوليًا.  فالغرب و الأمريكان يريدون هذا البلد كمكتب لإدارة مصالحهم الاقتصادية في الشرق الأوسط أما الحلف السوري الإيراني يريد هذا البلد كورقة مساومة في إطار صراعه مع الغرب و أمريكا.  والذي يزيد الأمور تعقيداً في المسألة السورية هو أن الأحداث يُنظر إليها من منطلق طائفي ما ينعكس بقوة في الداخل اللبناني الذي عانى من نفس المشكلة لعقود طويلة تخللتها حرب أهلية طاحنة أتت على الأخضر و اليابس وحرمت البلد من النهوض و التقدم.

تتفاوت أراء الشارع اللبناني عامةً و رجال السياسة خاصةً بل تتناقض أحيانًا حيال ما يجري في سوريا. فالبعض يشجع و يساند ما يحدث باعتباره جزءاً من حراك الربيع العربي في المنطقة بأسرها و البعض الأخر يحاول تهدئة الشارع السوري و إقناع العالم العربي بأن هذا النظام هو مثال الممانعة و التصدي للعدو الإسرائيلي.  إلا أن أثر الأحداث في البلد الشقيق على أرض الواقع بدأت تتجلى بوضوح.

فعلى المستوى الإجتماعي، وصل عدد اللاجئين السوريين إلى ما يقارب من ألفي لاجئ في وادي خالد و المناطق المجاورة على الحدود السورية. حيث أن حركة نزوح جماعية قد بدأت عندما شن الجيش السوري هجومًا بريًا و غارات جوية على قرية تلكلخ في ٢٨ من إبريل\نيسان. ومع تفاقم الأزمة، ازدادت أعداد اللاجئين، و مع هذا التزايد تكثر التناقضات الداخلية حيال مصير هؤلاء اللاجئين.

 أما على المستوى الإقتصادي، فإن الاحداث في سوريا تضغط بشكل متصاعد على الإقتصاد اللبناني، مخلفةً أثارًا سلبيةً على السياحة، و التجارة، و تدفق الأموال.  كما أن خبراء الإقتصاد في لبنان قد صرحوا أن الربيع العربي أثر سلبًا على الإقتصاد في البلد، أضافوا أن الأحداث في سوريا و المشاكل على الحدود قد أدت إلى تراجع كل مؤشرات النمو التي حققها لبنان خلال السنوات الخمس الماضية.

بالرغم أن المشاكل الإجتماعية و الإقتصادية لها ثقل وشأن إلا أن التأثير على اللعبة السياسية يظل الأكبر والأكثر سخونة. فبعد خروج الجيش السوري من لبنان عام ٢٠٠٥، عاد السوريون إلى اللعبة السياسية اللبنانية من جديد من خلال حكومة نجيب الميقاتي. وتشابكت الأوضاع في الداخل اللبناني والجوار الإقليمي، وتعقدت المصالح السياسية، فهناك مصالح أوروبية بزعامة فرنسا و إيران ممثلة في حزب الله والسعودية ممثلة في تيار المستقبل، كما أن الأحداث الإقليمية و العربية كان لها تأثير أيضاً

حدث لي قصة طريفة تعكس جانب من تأثير الأزمة على اللبنانيين، فمنذ شهر تقريبًا أردت أن أزور صديقًا لي في مملكة البحرين وعندما ذهبت إلى السفارة البحرينية اكتشفت أن اللبنانيين ممنوعين من دخول المملكة بعد خطاب حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله اللبناني والذي أعلن تأييده للحركات المعارضة في البحرين، بينما في الوقت ذاته يحاول إقناع الشارع السوري باللجوء إلى الحوار و الإصلاحات. هذا المثال يعكس إلى أي مدى يتأثر الداخل اللبناني تأثرًا واضحًا بالأحداث المحيطة.

في بداية الأزمة السورية، كان الصمت مسيطرًا على معظم الساسة اللبنانيين، فالجميع يخشى أن تؤدي الأزمة إلى إشتباك داخلي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى حرب أهلية مصغرة. “مصير لبنان مرتبط بمصير سوريا.” تتكرر هذي الجملة منذ أكثر من أربعة عقود. لكن مع تفاقم الأزمة، بدأ السياسيون في لبنان بالتعبير عن مواقفهم.

ففريق ١٤ اذار، وتحديدًا تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري و “الأكثرية” السنية المتمثلة به تفضل أن تخلف الأحداث في سوريا حكومة سنية موالية للسعودية. و كان قد اتُّهِم سعد الحريري وتيار المستقبل بتمويل جماعات إرهابية سورية معارضة للنظام.  بينما نفى تيار المستقبل أي علاقة له بهذه التنظيمات، إلا أن الحكومة اللبنانية في الوقت ذاته منعت بعض المظاهرات المعارضة للنظام السوري في طرابلس و مناطق لبنانية أخرى. أما الشارع المسيحي فمنقسم على ذاته، البعض يفضل بقاء النظام الحالي خوفًا من تهميش الأقلية المسيحية في سوريا و البعض يتخطى هذه المخاوف و ينادي بسقوط النظام.  من ناحية اخرى، فريق ٨ اذار، تحديداً حزب الله الذي يمثل “الأكثرية” الشيعية، يحافظ على تحالف إستراتيجي مع دمشق. نظام الأسد هو عمل أساسي في بقاء حزب الله لأن سوريا الآن تؤمن للحزب السلاح و التدريب و تسهل وصول الدعم الإيراني. ورغم محاولات الأمين العام حسن نصرالله التقليل من أهمية تداعيات سقوط نظام الأسد، إلا أن خطاباته الأخيرة هي خير مثال على التأثيرات السلبية التي يمكن أن يسببها سقوط نظام الأسد، ما أدى إلى أن المتظاهرين السوريين قاموا بالهجوم على حزب الله و إيران و حرق أعلامهما.

يعيش لبنان على صفيح ساخن في الوقت الذي تدير شئونه حكومة جديدة غير قادرة على اتخاذ إجراءات حاسمة نتيجة الأستقطابات والتجاذبات السياسية الداخلية نتيجة اختلاف مواقف القادة السياسيين، إذا تفجرت الأوضاع في سوريا سيكون لبنان أكبر الخاسرين  ويبقى مصيرالداخل  اللبناني معلقًا وسط سباقات المنطقة نحو التغيير.


*باحث وكاتب لبناني

من أوراق الثورة الليبية … سقوط سرت ، ونهاية طاغية

عبده جادالله
بين رئيس هارب ، وأخر مسجون ، وثالث مقتول ، يُسدل الستار على فصل جديد من فصول الربيع العربي . قُتل العقيد معمر القذافي بعد 40 عاماً من القمع و البطش ، حكم الشعب الليبي على مدار أربعة عقود بقبضة حديدية لم ينجو منها أحد. مات العقيد، تلك هي الحقيقة  التي لا يصدقها الليبيون حتى الآن . مات القذافي ومعه أخلص خلصائه و أبنائه الذين تحكموا في البلاد و العباد وظنوا ألا يقدر عليهم أحد.

 في مشهد لن ينساه التاريخ لأجيال وأجيال ظهر العقيد القذافي مضرجاً في دمائه يدفعه مجموعة من الشباب وسط هتافات وتكبيرات وصرخات تعكس حالة الذهول والإرتباك التي ظهر عليها هؤلاء الثوار غير مصدقين أنهم أخيراً يمسكون بالزعيم الذي ما كانوا يحلمون يوماً أن يصافحوه أو يقابلوه.
مشهد القذافي في دمائه ، يدفعه  شباب الثوار ، ثم رؤيته وهو جثة هامدة بعد أن مات متأثراً بجراحه، يجب أن يكون خير رادع لكل جبار أو طاغية يجلس اليوم أو غداً على كرسي الحكم. فقد تحول الربيع العربي إلى خريف لكل الطغاة ، فقد أثمرت الثورات العربية حتى الآن عن سقوط ثلاثة من أعتى طغاة العرب في تونس و مصر وليبيا، و بات الطغاة في الجزء الشرقي من العالم العربي ينظرون بخوف ورعب من فتحة ضيقة إلى شعوبهم ينتظرون مصيرهم المحتوم ، فمشهد القذافي مقتولاً لم يؤرق أحداً مثلما أرق علي عبدالله صالح في اليمن وبشار الأسد في سوريا. فهل من متعظ؟

خريف العقيد وخريف البطريرك

هذه النهاية المأساوية للعقيد القذافي تذكرنا بنهاية الشخصية المحورية في رواية “خريف البطريرك” للكاتب الكولومبي جابرييل جارسيا ماركيز التي تحكي عن طاغية من طغاة إحدى دول أمريكا الوسطى والذ ي مكث في الحكم 232 سنة ، يسانده في حكمه أصدقاؤه الأمريكيون الشماليون ، ارتكب خلاله العديد من الجرائم بداية من قتل الأطفال ، إلى قتل رجال الدين ، وتخلصه من جنرالات الجيش الذين خاضوا الحرب معه. كان هذه الطاغية مهووساً يحيط نفسه بهالة من القدسية ، مارس خلالها كل أنواع الإستبداد و الظلم و القهر باسم السلطة ، له جلاد يقطع رقاب كل من تسول له نفسه الإعتراض على قراراته. تحكي الرواية بكل بساطة عن حاكم أحمق جاء إلى السلطة بمجرد الصدفة ثم عاش هذه الحقيقة وأصبح هو سيد هذه السلطة، نجا من العديد من محاولات الإغتيال وحكم بلاده بالحديد و النار. أراد ماركيز أن يصور كل دكتاتوريات العالم الثالث في شخصية هذا الجنرال وكأنه يحكي قصص معاناة كل هذه الشعوب.
حياة و مصير جنرال “خريف البطريرك” يشبه تماما مصير “كولونيل” ليبيا ، كلاهما ظهر في النهاية جثة مشوهة ، أحدهما نقرت العقبان وجهه ، والأخر نقرت الشظايا والرصاصات رأسه الأشعث وجسده المنهك . كما أن مشهد فرحة الناس بموت القذافي  وتكبيراتهم في كل أنحاء ليبيا يشبه تماماً موقف “الحشود المهتاجة”  التي خرجت معلنة سعادتها بموت الجنرال الطاغية ” منشدة موته بأناشيد الحبور.” في “خريف البطريرك”،  و بادر الليبيون باطلاق النار العشوائي في الشوارع فرحا بموت العقيد، وكذلك خرجت جموع الشعب المقهور في رواية ماركيز إلى الشوارع تعزف “معزوفات التحرر،” و تقذف ” أسهم الفرح النارية .”

مصير الطغاه وربيع الشعوب

مصير الطغاة واحد في كل العصور ، في الحقيقة و في خيال الكُتّاب والأدباء. فيكاد يكون مصير فرعون ، ونيرون ، وكاليجولا، وهتلر ، وستالين ، وشاه إيران واحداً مع اختلاف المشاهد و الشخصيات.  إلا أن حياة الطغاه العرب دائماً ما تكون حافلة بالغرائب و العجائب ، ويبدو أن مصيرهم دائما ما يحفل بالمفاجآت ، وتأتي نهايتهم دائماً غير متوقعة . ففي الخمسين عاماً الماضية ، منهم من رماه الثوار بالرصاص مثل عبد الكريم قاسم ، و منهم من خرج من بلاده بطريقة مهينة طريداً معزولاً في بلاد غريبة  مثل الملك فاروق ومنهم من خرج في انقلابات عسكرية مثل عسكر سوريا والحبيب بورقيبة.. إلخ.
إن موت الطغاة هو موت لأنظمتهم و نخبهم الحاكمة لأن الطاغية لا يحكم بنفسه بل يستعين بحفنة من المقربين ما بين ماسحي الجوخ وحملة المباخر وسدنة الحكم والمنتفعين ، شبكة معقدة من الأشرار تحيط بالطاغية ، الذي ما يلبث شعبه أن يتحول إلى مجموعة من  المستكينين المستسلمين. الطغاة هم نتاج عقود من صفات الخوف و الرعب و الخضوع  التي يتمتع بها الشعوب التي يحكمونها ، والتي ما أن تبدأ هذه الشعوب بتجاوز هذه الصفات حتى ينهار الطغاة وكأنهم نمر من ورق أو حبات رماد تذروها الرياح. يتعجب المرء كيف حكم هؤلاء الجبابرة شعوبهم كل تلك الفترة و لم تنتفض مرة للثورة عليهم بالرغم من ظلمهم وتجبرهم البين. إنه حقاً لأمر عجيب ، نظام بن علي يسقط في شهر ، ونظام مبارك وآلته الحديدة القمعية تسقط في 18 يوماً و القذافي العتيد يسقط في ثمانية أشهر. خرج الخوف من صدور الناس بعد أن ضاقوا ذرعاً من تسلط هؤلاء العتاة الجبابرة الذي ساموا شعوبهم سوء العذاب.
إن مشهد الربيع العربي المصحوب بخريف الدكتاتوريات المتسلطة ليفتح صفحة جديدة ليست في  التاريخ العربي فحسب بل في  تاريخ الإنسانية جمعاء، أثبتت الثورات العربية أن للشعوب – مهما كانت ضعيفة – القدرة على الإطاحة بالظلم و الطغيان – مهما كانت قوته.
سقط ثلاثة جبارين وطغاة  وننتظر المزيد وعلى رأسهم الشاويش والطبيب ، صالح و بشار. الكلمة العليا يجب أن تكون للشعب و للشعب فقط، يختار الناس من بينهم من يحكمهم ، إذا ما حكمهم بالعدل نجا وعاش كريماً ، إذا ما ظلم و تجبر ، فمصيره إما النفي أو الحبس أو القتل، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وهذه هي نهاية الطغاة.

القذافي يتجول في مدينة طرابلس بين مؤيديه أثناء غارات حلف الأطلسي في إبريل الماضي - قناة الجماهيرية

 

القذافي  والفرار إلى جهنم

امتلأت حياة القذافي بالمفارقات العجيبة حيث ولد عام 1942 في إحدى قرى سرت تسمى “جهنم” وترعرع بين سرت ومصراته وسبها ، والطريف أنه لقى مصرعه على يد ثوار “كتيبة النمر” المصراتية  في مدينة سرت و نقلوه مصاباً –قبل أن يموت – إلى إحدى مستشفيات مصراتة ،  وكأنه مكتوب عليه أن يموت في نفس المكان الذي ترعرع فيه. ومن المفارقات أنه أيضاً كتب قصة حياته في رواية قصيرة أسماها ” الفرار إلى جهنم” تلك القرية التي ولد فيها ، ولا نعلم ما إذا كان قد فر فعلاً إلى “جهنم” سرت أم إلى “جهنم” الأخرة. قُتل القذافي وفي يده مسدس ذهبي وتعويذة ورقية ، يعكسان حياته المتناقضة وتركيبته النفسية الغريبة و المعقدة ، حياته التي امتلأت بالتناقضات بين زعيم أوحد يحكم واحدة من أغني الدول النفطية ، ويعيش ويتنقل في خيمة ، يؤلف الكتب والنظريات ويعتبر نفسه “نبي الصحراء” ، ينادي نفسه “ملك ملوك إفريقيا” ويناديه الغرب “كلب الشرق الأوسط المسعور.” كتب القذافي نهايته بنفسه في روايته ” الفرار إلى جهنم” حيث قال:
” إن طغيان الفرد أهون أنواع الطغيان ، فهو فرد في كل حال … وتزيله الجماعة ، ويزيله فرد تافه بوسيلة ما . أما طغيان الجموع فهو أشد صنوف الطغيان فمن يقف أمام التيار الجارف والقوة الشاملة العمياء ؟ …. كم أحب حرية الجموع ، وانطلاقها بلا سيد ، وقد كسرت أصفادها وزغردت وغنت بعد التأوه والعناء . ولكني كم أخشاها وأتوجس منها !!!
إني أحب الجموع كما أحب أبي . وأخشاها كما أخشاه . من يستطيع في مجتمع بدوي بلا حكومة أن يمنع انتقام أب من أحد أبنائه ؟… نعم كم يحبونه … وكم يخشونه في ذات الوقت … هكذا أحب الجموع وأخشاها ، كما أحب أبي وأخشاه . كم هي عطوفة في لحظة السرور ، فتحمل أبناءها على أعناقها … فقد حملت هانيبال وباركليز.. وسافونارولا ودانتون وروبسبيير … وموسيليني ونيكسون … وكم هي قاسية في لحظة الغضب ، فتآمرت على هانيبال وجرعته السم وأحرقت سافونارولا على السفود … وقدمت بطلها دانتون للمقصلة … وحطمت فكي روبسبيير خطيبها المحبوب وجرجرت جثة موسوليني في الشوارع وتفت على وجه نيكسون وهو يغادر البيت الأبيض بعد أن أدخلته له وهي تصفق !!!  ”
رسم  القذافي نهايته المحتومة وكأنه كان يتنبأ بمصيره حين صور الزعماء الذين حملتهم شعوبهم على أعناقها  ثم غضبت عليهم فقتلتهم وكأن العقيد كتب نهايته بنفسه.

وللحديث بقية

الربيع العربي محاولة لفهم الأحداث

إعداد \ عبده جادالله

يحار القارئ في إدراك طبيعة الأحداث الأخيرة المتتابعة التي ضربت عالمنا العربي بدءاً بنشر وثائق الويكيليكس مروراً بالثورات والانتفاضات العربية أو ما يسمى ب “الربيع العربي”. تتعدد النظريات والتفسيرات التي تحلل هذه الأحداث ، منها ما يندرج تحت الحقائق وأخرى لا تتعدى مجرد احساس بنظرية المؤامرة. في هذا المقال سوف نلقي الضوء على أحد هذه المواقف التي أثارت استغراب المحللين الغربيين قبل العرب

السر وراء التدخل القطري في ليبيا

نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية في 28 سبتمبر الماضي مقالاٌ طويلاٌ أوضحت فيه الأسباب القوية وراء التدخل الواضح لدولة قطر في العمليات التي يقودها حلف شمال الأطلسي (الناتو) للإطاحة الكاملة بحكم القذافي والذي أوشك بالفعل على السقوط في قبضة الثوار.

 في البداية أكد كاتب المقال (دافيد روبرتس نائب مدير معهد الخدمات الملكية المتحدة في العاصمة القطرية) على أن قطر قد أظهرت “حماسة واضحة” في مساندة الثوار الليبيين للإطاحة بمعمر القذافي ، مدللاُ على ذلك بأن قطر لم تكن أول دولة عربية تعترف بحكومة الثوار المتمثلة في مجلس الحكم الإنتقالي فحسب ، بل قامت أيضاُ ببيع النفط الليبي المستخرج من المناطق التي يسيطر عليها الثوار إلى الأسواق العالمية ، كما دفعت قطر ملايين الدولارات على شكل مساعدات لهؤلاء الثوار. وسلط المقال الضوء على الدور البارز الذي لعبته قناة الجزيرة القطرية في تغطيتها للأحداث في ليبيا ودعمها الواضح للثوار الليبيين مشيراُ إلى أن هذه التغطية المكثفة فاقت بكثير حجم التغطية التي حظيت بها أي من الثورات العربية الأخرى.

دور إقليمي بارز

وألمح روبرتس إلى أنة قطر قد اكتسبت خبرة دولية نتيجة السياسة التي تنتهجها الدولة منذ أواسط التسعينات، ودورها الواضح كوسيط في القضايا العالقة في منطقة الشرق الأوسط. إلا أن الكاتب يؤكد على أن المحللين السياسيين قد تفاجئوا بالدور القطري في الأحداث في ليبيا، حيث أرسلت قطر ” ست مقاتلات ميراج” لمساندة الناتو في العمليات الجوية على ليبيا، ويشير الكاتب إلى أن هذه الخطوة تمثل “تغيراُ نوعياً” في السياسة الخارجية القطرية ، موضحاً أن هذه المقاتلات الست تمثل معظم سلاح الجو القطري.

واستطرد الكاتب في ذكر جهود الوساطة التي قامت بها قطر لحل بعض النزاعات في منطقة الشرق الأوسط والتي كانت أبرزها جهود الوساطة الناجحة  في حل الخلافات السياسية بين الفصائل اللبنانية عام 2008، وكذلك الوساطة القطرية بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين. إلا أن هذه هي المرة الأولى التي تعلن قطر علانية مناصرتها طرف على حساب طرف أخر.

دعم كامل للثوار

وأضاف الكاتب أن قطر قدمت أيضا السلاح للثوار الليبيين منها صواريخ ميلان فرنسية الصنع المضادة للدبابات ، وأسلحة ألية بلجيكية الصنع، وعلى الرغم من أن التصريحات الرسمية القطرية تؤكد على أن الأسلحة التي أرسلتها قطر هي أسلحة “دفاعية” إلا أن مصادر مطلعة من طرابلس أوضحت أن المساعدات قد تخطت ذلك بكثير مشيرة إلى أن تقارير إخبارية قد أوضحت أن قوات خاصة قطرية قد قامت بتدريب الثوار الليبيين في  منطقة “جبل نفوسة” ، كما أن قطر قامت بجلب مقاتلين ليبيين إلى الدوحة من أجل تدريبات خاصة ، كما أن قوات خاصة قطرية قد شوهدت على الخطوط الأمامية أثناء الهجوم الأخير على باب العزيزية ، أخر معاقل القذافي ، في 24 من أغسطس\ آب .

موافقة دولية وتشجيع عربي

وأشار روبرتس إلى أن الدور القطري الفعال والبارز في الأحدث قد تم بموافقة المجتمع الدولي ، كما أن جامعة الدول العربية قد وافقت في مارس \أذار على الاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي كممثل وحيد للشعب الليبي ، واتخذت قراراً غير مسبوق بمساندة الناتو في فرض حظر جوي على ليبيا ، الدولة العضو في الجامعة. كل هذه العوامل قد ساعدت قطر على اتخاذ القرار بالتدخل الواضح في الصراع داخل ليبيا.

وعقد الكاتب مقارنة بين الأحداث في ليبيا و “الاعتداءات الوحشية” للنظام السوري على المتظاهرين في مختلف المدن السورية، موضحاً أنه لو سنحت الفرصة لقطر وتوفرت لديها القدرة للتدخل في الأوضاع داخل سوريا لفعلت. إلا أنه عاد وأكد أن القوات الأمنية السورية أكثر تنظيماً من قوات القذافي كما أنها مدربة تدريباً عالي الكفاءة، كما أن العامل الجغرافي يمنع مثل هذا التدخل حيث لا تتوفر في سوريا تلك المساحات الشاسعة من الصحراء ، كما لا توجد منطقة بعينها تحت أيدي الثوار كما كان الحال في الوضع الليبي. كما أن سوريا تلعب دوراً سياسياً نافذاًُ في المنطقة، ما يجعل مسألة التدخل العسكري مخاطرة كبيرة إن لم يكن مستحيلاً.

وأضاف الكاتب أن قطر تتمتع بثقة كبيرة للعب دور إقليمي بارز حيث أنها وبالرغم من كونها دولة صغيرة، إلا إنها تتمتع بحماية الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة في قاعدة العديد الجوية ، وقاعدة السيلية واللتان تمثلان أكبر قواعد عسكرية للولايات المتحدة خارج أراضيها، ما منح قطر الثقة لإرسال طائراتها العسكرية إلى ليبيا لمسافة تزيد عن 1800 ميلاً، بينما تبعد إيران عنها بمسافة لا تتعدى 125 ميلاً.

عراب الوساطة بين الإسلام والغرب

وأوضح روبرتس أن قطر تريد أن تلعب دور الوسيط بين العالم الإسلامي والغرب ، عن طريق كونها حلقة وصل بين الغرب و القوى الإقليمية ” المعادية للغرب” مثل حركة حماس  الفلسطينية وحزب الله اللبناني و الزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر.

وبالرجوع إلى الأزمة الليبية، فإن قطر لعبت نفس الدور للتقريب بين قادة بارزين من طرفي الصراع في ليبيا، مثل موسى كوسا الذي فر إلى لندن ثم أجبر على مغادرتها إلى الدوحة التي استضفته بالرغم من الجدل الدائر حول علاقته بالعقيد القذافي ، إلا أن قطر تعلم جيداً أن شخصاً مثل كوسا يمكن أن يلعب دوراً مستقبلياً في أي مفاوضات محتملة بين بقايا النظام القديم والحرس الجديد في ليبيا.  كما يعتقد البعض أن علي الصلابي ، الإسلامي الليبي البارز والذي كان منفياً إلى قطر، لعب هو الأخر دوراً في اتصالات جرت بين النخبة الحاكمة في قطر وسيف الإسلام القذافي نجل العقيد المختفي عن الأنظار منذ سقوط أخر معاقله في طرابلس نهاية شهر أغسطس\ آب. كما أن شقيق الصلابي (إسماعيل) يقود إحدى كتائب الثوار الإسلامية (كتيبة 17 فبراير) والتي يعتقد أنها تتلقي مساعدات مالية من قطر. كما أن قطر قد رعت  نهاية أغسطس \ آب لقاءاً جمع مسئولين في الناتو بعبد الحكيم بلحاج، قائد مجلس طرابلس العسكري، والذي كان يشغل في السابق منصب أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والتي صنفتها الولايات المتحدة كجماعة إرهابية عام 2004  .

خاتمة

وخلص المقال إلى أن قطر قررت أن تلعب دوراً واضحاً في التدخل العسكري في ليبيا من أجل مصالح اقتصادية، خاصة في قطاعي النفط والغاز بالإضافة إلى المكاسب المعنوية الأخرى المتمثلة في المديح والتقدير التي حظيت به من الحلفاء الغربيين في لندن وباريس وواشنطن، كنا أنها أكدت للرأي العام العربي أنها تقف مع الشعوب ضد الأنظمة القمعية والمستبدة في المنطقة. كما أنها تريد أن تلعب دور الحليف للقوى الغربية في منطقة الشرق الأوسط.

اترك تعليقاً توضح فيه وجهة نظرك

نبيل العربي أميناً عاماً لجامعة الدول العربية — خبر وتعليق

اعداد : عبده جادالله

انتخب أمس الدكتور نبيل العربي وزير الخارجية المصري أميناُ عاماُ لجامعة الدول العربية خلفا للسيد عمرو موسى، وجاء هذا الاختيار بعد اجتماع تشاوري مصري -قطري بعد أن سحبت قطر لمرشحها عبد الرحمن العطية. ومن الجدير بالذكر أن مصر كانت قد سحبت ترشيح الدكتور مصطفى الفقي في أخر لحظة وطرحت العربي بدلا منه بعد أن أبدت بعض الدول العربية تحفظاً على ترشيح الفقي من ضمنها قطر والسودان. يذكر أن أصوات عديدة داخل مصر وخارجها كانت قد تحفظت على الفقي كونه أحد رموز النظام السابق وعضواُ في الحزب الوطني المنحل قبل أن يستقيل أثناء الأزمة السياسية التي اندلعت إبان ثورة يناير التي أطاحت بنظام مبارك وحزبه.

العربي بعد إعلان انتخابه أميناُ عاماُ لجامعة الدول العربية في القاهرة أمس (أ ف ب)

العربي بعد إعلان انتخابه أميناُ عاماُ لجامعة الدول العربية في القاهرة أمس (أ.ف.ب)

ويحظي الدكتور نبيل العربي -مواليد 1935- بقبول عربي واسع اتضح من خلال الحفاوة البالغة التي قوبل بها ترشيحه خلفاُ لعمرو موسى المنتهي ولايته، وقد شغل العربي مناصب دبلوماسية مرموقة منها مندوب مصر الدائم في الأمم المتحدة قاض في محكمة العدل الدولية قبل أن يتم اختياره وزيراُ للخارجية بعد ثورة يناير.

ويعرف عن العربي مواقفه السلبية تجاه إسرائيل منذ أن كان عضواُ في الوفد المصري في مفاوضات كامب ديفيد وكذلك أثناء توليه منصبه في محكمة العدل الدولية.

 وكان وزراء الخارجية العرب قد تسابقوا لتهنئة العربي على منصبه الجديد وذلك أثناء كلمات الوفود في الجلسة العلنية التي أعلن فيها عمرو موسى التوافق العربي على اختيار وزير الخارجية المصري لهذا المنصب.

  وكان مصطفى الفقي قد صرح لـ«الشرق الأوسط» أول من أمس، بأنه مستعد للتنازل عن ترشحه وإفساح المجال لتوافق عربي يأتي بمصري آخر لهذا الموقع في حال وجود اعتراض على شخصه تحديدا، كما أكد الفقي أنه «ليس المهم أن يأتي الفقي أمينا عاما لجامعة الدول العربية، ولكن أن يشغل مصري هذا الموقع في ظل ظروف الثورة المصرية»، مشيرا إلى أنه «شخصيا يريد أن يكون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة»، وقال: «هذه هي رؤيتي دائما، لأننا كلنا زائلون، والأمة العربية هي الباقية».

يذكر أن الشيخ حمد بن جبر آل ثاني رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري قد صرح بإن بلاده سحبت مرشحها “تقديرا لمصر ولثورة 25 يناير”.

وكان اختيار العربي على رأس الجامعة العربية قد لاقى ردود أفعال وأصداء واسعة تصدرت وسائل الإعلام العربية و العالمية.

تعليق

أسعد هذا الاختيار جميع المصريين والعرب نظراُ لما يتمتع به نبيل العربي من قبول وحضور بين مختلف الدوائر السياسية والدبلوماسية، كما أن العربي يعد أحد الشخصيات المحترمة التي جاءت بها ثورة يناير المباركة إلى الواجهة السياسية مرة أخرى ، وهذه واحدة من حسنات هذه الثورة التي وضعت الأمور في نصابها ، حيث بدأنا نرى الكفاءات المصرية المشرفة في مقدمة الصفوف لتقود الشعب المصري والأمة العربية إلى الأمام. إن الثورة المصري التي أبهرت العالم أجمع ، قد بدأت تجني أحد ثمارها بتعيين العربي على رأس الجامعة العربية ، ويمكن أن يلهم هذا الحكومة المصرية للاعتماد على الكفاءات لا الولاءات في اختيار من يعملون في العمل السياسي والإداري و الدبلوماسي.

إن اختيار العربي أميناً عاماً للجامعة يعكس الحجم الحقيقي الذي تحتله مصر بين الأشقاء العرب بصفتها قلب الأمة العربية النابض، تلك المكانة التي كادت تتلاشي أيام نظام مبارك الذي كانت مواقفه مخزية للمصريين قبل العرب، وفقدت مصر الدور الريادي الذي كانت تشغله طيلة العقود الماضية . 

شارك وضع تعليقك

ما رأيك في اختيار العربي على رأس الجامعة العربية وكيف تفسر الموقف القطري؟

الرابحون و الخاسرون من الثورة المصرية

اعداد عبده جادالله

في مقاله المنشور في مجلة “فورين بوليسي” يوم 14 فبراير أشار الكاتب الأمريكي وأستاذ العلوم السياسية “ستيفين والت[i]”  إلى مجموعة من الرابحين من الثورة  المصرية منهم المتظاهرون ، قناة الجزيرة ، دعاة الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط، المؤسسة العسكرية المصرية، الصين ، أما بخصوص قائمة الخاسرين  – وفقاً لوالت – فإنها تتضمن آل مبارك ، تنظيم القاعدة ، ومايسمى “السلام الأمريكي” ، والإخوان المسلمون ، والفلسطينيون . إلا أن والت قد علق على البعض قائلاً أنه من المبكر الحكم على مواقفهم  ، هل سيربحون أم سيخسرون من تداعيات الثورة المصرية منهم الحكام العرب، و إسرائيل، و الرئيس الأمريكي باراك أوباما .

 

الرابحون

المتظاهرون (ثورة 25 يناير )

يقول والت أن اكبر الرابحين من هذه الثورة هم “جموع المصريين الذين خرجوا للشوارع مطالبين مبارك بالتنحي عن منصبه وتحقيق اصلاح حقيقي ، كما طالبوا برحيل عمر سليمان نائب الرئيس الذي عينه مبارك” ، وعلق والت قائلاً أن إصرار المصريين على تحقيق مطالبهم يرجع “عقود طويلة من الإحباط” ، وأرجع والت نجاح الثورة المصرية إلى عوامل عدة منها العفوية الشديدة ، والصبغة السلمية للثورة ، المعنويات المرتفعة و الإنضباط ، والإصرار الشديد على رحيل مبارك بالرغم من التنازلات التي قدمها النظام في بدايات الثورة التي وصفها بأنها “القوة الشعبية” في صورة عربية.

قناة الجزيرة

أشار والت إلى أن التغطية المتواصلة لقناة الجزيرة للثورة  المصرية قد أحرج العديد من وسائل الإعلام الغربية ، وأضاف أن قدرة القناة بث الصورومقاطع الفيديو الحية قد خلق جواً من التفاعل مع الثورة ، مشيراً إلى أنه إذا كانت إذاعة  صوت القاهرة  كانت الناطقة بلسان  الثورة أيام حكم الرئيس عبد الناصر ، فإن الجزيرة قد برزت لتلعب دوراً مهماً أقرب إلى أن تكون قوة ثورية في حد ذاتها، يتابعها الرأي العام العربي و كذلك الرأي العام العالمي .  

دعاة الإصلاح الديمقراطي في الشرق الأوسط

المح والت إلى أن أحد أهم مكاسب نجاح الثورة في مصر أن أجبرالعديد من الحكومات الديكتاتورية في المنطقة باتخاذ بعض الخطوات الإصلاحية التي طالب بها دعاة الإصلاح في محاولة منهم لتخفيف حالة الإحتقان التي يمكن أن تؤدي إلى ثورات مشابهة . كما أن ما حدث شكل دعامة أساسية للإصلاحيين في المنطقة الذين يهدفون إلى توسيع رقعة المشاركة الديمقراطية  المدنية، وليس الديمقراطية التي تأتي على ظهور الدبابات (في إشارة إلى المزاعم الأمريكية أن هدف الحرب على العراق هو تحقيق الديمقراطية)

المؤسسة العسكرية المصرية

 يعبر والت عن اندهاشه من أن القوات المسلحة المصرية خرجت من الأزمة أكثر قوة ، وأشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تراهن على أن الجيش المصري سيرعى انتقالاً سلمياً للسلطة ، كما تؤكد ذلك البيانات الأولية للمجلس الأعلى للقوات المسلحة . وتسائل والت إذا ما كانت المؤسسة العسكرية ستسعى لتحقيق الإصلاح الفعلي  أم أنها ستحمي مصالحها  في مرحلة ما بعد مبارك.

الصين

دائماً ما يتحفنا والت بأرائه غير المتوقعة، حيث أشار إلى أن الصين تعتبر أحد الرابحين من الثورة المصرية ، قائلاً أن الولايات  المتحدة ستولي الملف المصري اهتماماً بالغاً لمحاولة استكشاف تأثير الثورة داخلياً وإقليمياً، وأضاف والت إلى أن هذا يعتبر مكسباً للصين حيث أن واشنطن ستنشغل مؤقتاً عن علاقاتها الاستراتيجية في أسيا. ويؤكد والت على أن المسئولين الصينين يودون أن تظل الولايات المتحدة منشغلة بالأحداث في الشرق الأوسط، وزاد ت الثورة المصرية هذا الإنشغال، إلا أن هذا الوضع بالنسبة للصين لا يخلو من مشكلة ، حيث أن نجاح ثورة شعبية في الإطاحة بنظام دكتاتوري لن يروق للحزب الشيوعي الصيني الحاكم ن خاصة أن هناك مشاكل داخلية مشابهة لتلك التي كانت موجودة في مصر في ظل النظام السابق.

الخاسرون

آل مبارك

مما لاشك فيه أن الرئيس السابق حسني مبارك قد تم حرمانه من تنفيذ مخطط التوريث الذي كان يحلم به ، كما أنَ هناك احتمالات كبيرة أن يقوم القادة الجدد بملاحقة آل مبارك قضائياً والتحقيق معهم بشأن ثرواتهم. ويضيف والت أنه لن يأسف لأي من آل مبارك ، لكن ما لاشك فيه أنهم هم أكبر الخاسرين من الثورة المصرية.

تنظيم القاعدة

أشار والت أن خطاب تنظيم القاعدة التقليدي ظل يعتبر الرغبة في التغيير ظل يهيمن على بصفته أحد أهم الإدعاءات التي يسوقها التنظيم لتبرير انتهاجه للعنف ، كما أن التنظيم كان دائماً ما يشير إلى الدعم الأمريكي المطلق للنظم السلطوية في العالم الإسلامي. إلا أنَ إزاحة مبارك من السلطة عن طريق المظاهرات السلمية  قد دحض تبريرات القاعدة ، كما أن إدارة الرئيس أوباما قد رضخت على الأقل لمطالب الثوار في نهاية الأمر وطالبت بتنفيذ مطالب الإصلاح، وبالتالي يندحض الإدعاء الثاني. كما أن اصلاح ديمقراطي حقيقي الذي يؤدي إلى تنمية المجتمع المصري ، فالحضور الجماهيري لخطاب القاعدة سيتلاشى تقريبا، ويختم والت أن شهر يناير لم يكن شهراً سعيداً لبن لادن أياً كان مكانه.

السلام الأمريكي

يطرح والت فكرة أنه مهما قامت إدارة أوباما بالتعامل مع المستجدات الجديدة على الساحة السياسية العربية، إلا أنه لا يمكن اخفاء حقيقة أن أهم دعائم السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط قد تم الإطاحة به من المشهد السياسي ، فالرؤية لم تتضح حتى الآن كيف سيتم التعامل مع اسرائيل ، و حصار غزة في مرحلة ما بعد مبارك. ويضيف والت أن على الإدارة الأمريكية أن تظهر قدراً من المرونة في التعامل مع ملف الشرق الأوسط  وأن يكون صناع القرار المسئولون عن هذا الملف على دراية كاملة بالمجتمعات العربية، و يحاولون إعادة النظر في السياسة الفاشلة التي تم انتهاجها في الماضي، وختم والت أنه يستبعد حدوث هذا قريباً.

الإخوان المسلمون

يطرح والت تصوراً يختلف تماماً عما يتصوره العديد من المراقبين و الباحثين ، ففي الوقت الذي يؤكد الجميع على أن الإخوان المسلمون هم الفصيل السياسي الأكثر استفادة من الإطاحة بمبارك ، وأن الساحة السياسية قد خلت الأن لهم لتولي السلطة في مصر ، أو على الأقل الحصول على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان ، كما ينظر للإخوان المسلمين أنهم الفصيل الأكثر تنظيما ً في مصر الأن. فيقول والت أنه “على الرغم من أن الإهتمام قد انصب في الأونة الأخيرة على جماعة الإخوان المسلمين ،  إلا أن الإطاحة بمبارك ونظامه سيقوض دور الجماعة في الفترة القادمة.”  يحاول والت أن يدلل على أن نسبة 20 % من مقاعد البرلمان التي استطاعت الجماعة الحصول عليها في انتخابات برلمان 2005 جاءت فقط كون الجماعة البديل الوحيد للحزب الوكني الحاكم آنذاك. ويؤكد والت على أنه لوتم اعطاء الفرصة لتكوين الأحزاب السياسية ، فستقل شعبية الإخوان المسلمين ، إلا إذا قامت الجماعة بإعادة ترتيب الأوراق وحاولت أن تستميل الشباب الصاعد.

الفلسطينيون

يعتقد والت أن رياح التغيير التي هبت على مصر ليست في صالح الفلسطينيين ، لأن الدول الأخرى سوف تولي اهتماماً أقل بالقضية الفلسطينية. كما أن اسرائيل لن تكون مهتمة بأي تنازلات يمكن أن تؤدي إلى انهاء الصراع  كما أن الضغط الأمريكي ستخف حدته هذه الأيام .وعلى المدى البعيد ، يمكن أن يكون رحيل مبارك مفيداً  للفلسطينين حيث يمكن أن تتخذ الحكومة المصرية الجديدة مواقفاً أكثر تشدداً مع الإحتلال الإسرائيلي. كما أن السلطة الفلسطينية يمكن أن تستفيد من النموذج المصري لعقد مصالحة مع حركة حماس وعقد انتخابات جديدة تسمح بوجودحركة وطنية فلسطينية شرعية .

أطراف لم تحسم موقفها بعد

الدكتاتوريات العربية

خريطة الوطن العربي _ موقع الجزيرة نت

يقول والت “لو كنت ملكاً أو دكتاتوراً عربياً مثل بشار الأسد ، فلن أكون سعيداً بلا شك إذا ما شاهدت الموقف في القاهرة. ولكن في المستقبل القريب ، ستتضح الرؤية ونرى ما ستؤدي إليه الثورة ، فلو ساءت الظروف في مصر باختطاف الثورة من قبل قوى غير مؤهلة ، أو فاسدة، أو متطرفة ، فإن الشعوب العربية لن تقبل على احتذاء النموذج المصري والتونسي.”

اسرائيل

يرى والت أنن من الصعب تحديد إذا ما كانت اسرائيل من الرابحين أم من الخاسرين مما حدث في مصر ، بلا شك أن الإسرائيليين قد انزعجوا من رحيل مبارك ، الذي كان “متعاوناً معهم.” ولكن يمكن أن يكون هذا الرحيل بمثابة جرس انذار يذكَر الإسرائيليين بالتغيير الحادث في المنطقة ، حيث لم “تصمد القوة العسكرية على الاضطرابات المدنية .”

باراك أوباما

يشير والت إلى أن إدارة أوباما لم تتعامل بحرفية مع المشهد المصري حيث كانت تريد نتيجة ” ساخنة جداً” ممثلة في (انتشار العنف ، و صعود المتطرفين لسدة الحكم) أو نتيجة “باردة جداً” ممثلة في (الاستقرار بدون اصلاح) ، يضيف والت أن الحكومة الأمريكية لو “تجنبت كلتا النتيجتين ، فإنها ستكون بمنأى عن أي نقد ، أما إذا تجاهلت المطالب الجماهيرية المطالبة بالإصلاح ، فستنال عاصفة من النقد العنيف، ويمكن أن تؤدي هذه النتيجة إلى “خسارة مصر.”

ويختتم والت مقاله بالتأكيد على أننا ما زلنا في المراحل الأولية من الفترة الإنتقالية في مصر ، وربما يكون أحد الخاسرين الآن رابحاً غداً ، و العكس صحيح .


[i]  ستيفين مارتن والت من مواليد 1955، أستاذ الشئون الدولية في جامعة هارفارد ، من اشهر مؤلفاته “أصول التحالفات”، “الثورة و الحرب” ، وشارك جون ميرشايمر في تأليف كتاب “اللوبي الإسرائيلي و السياسة الخارجية الأمريكية” ومعروف عن والت انتقاده الدائم لإسرائيل وسياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما

هل تتفق مع تحليل والت ومع هذا التقسيم ؟

لا تتردد اترك تعليقاً توضح فيه رأيك