عن العسكر وقضية المنظمات … عندما تخدم نظرية المؤامرة المتآمر الحقيقي

بقلم : أحمد بكر*


تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

 يقولون عاشت مصر ثلاثين عامًا من الفساد هي فترة حكم مبارك وأقول عشنا ستين عامًا من الفساد هي الفترة التي مرت علينا منذ تنحي الملك فاروق، وهو التنحي الذي كان يفترض أن يأتي بعده حكمًا رشيدًا وازدهارًا، غير أننا وُرثنا من فاسد لآخر أفسد منه، وبرهان ذلك بسيط يتجلى في حالنا، فلم نشهد من حينها رخاء قط، بل خرجنا من انتكاسة لأخرى.

 يقولون أرهقتنا الحروب، وأقول أرهقتنا عقليات فاسدة زرعت فينا الإيمان العميق بأن نظريات المؤامرة تحاك ضدنا طوال الوقت، حتى بتنا نرى كل تصرف أخرق وكأن من ورائه حكمة عظيمة وأمور تخفى علينا لن يدركها البسطاء أمثالنا.

 الناظر لحماقات المجلس العسكري الأخيرة وتدني عقليات السذج الباحثين عن مبررات لها يدرك المتآمر الحقيقي بكل سهولة، الغريب أنه بدلاً من الحديث عن حماقة المجلس في سعيه لاختلاق “فيلم هابط” يروي قصة منظمات تسعى لتخريب مصر ودور مجلس عظيم أجهض مخطط خبيث، وجدنا حديث البعض يتجه صوب “الصفقات اللولبية السرية” وتبادل الأسرى، بل وصل الأمر لطائرات وسفن ستنضم لمنظومتنا الدفاعية، وكأن أمريكا ستسلحنا، نحن جارة إسرائيل، بأسلحة تفوق إمكانات جارتنا، التي يصف الرئيس الأمريكي دعم بلاده لها بأنه دعم “مقدس”.

 الغريب أيضًا أن تجد البعض ينادي برحيل واستقالة القضاة دون أن يذكروا المجلس بسوء، وكأنه قدر لنا أن يكون حالنا دائمًا هو مخاطبة فرع المشكلة لا أصلها، لنستمر في حالة العبث التي نعيشها منذ النظام السابق.

 الواقع أن خطط تقسيم مصر لثلاث دويلات كانت بكل بساطة خرائط مراحل الانتخابات، والواقع أن هذه المنظمات قدمت تدريبًا لكافة التيارات السياسية على الساحة، العلمانية منها والإسلامية، والواقع أيضًا أن مجلسنا الموقر برهن بما لا يدع مجالاً للشك مدى الحماقة التي هو عليها، فقد أختلق فيلمًا يعلم أنه لن يستطيع أن يلعب فيه دور البطولة، بل أن أكثر دور له فيه سيكون “الفاسد” الذي يجلب العار لمن حوله.

 إن كان ظنه أن دور هذه المنظمات ما هو إلا دور تخريبي، وأثار زوبعته قبل التيقن من ذلك، فهذه حماقة لا تأتي إلا من الهواة، وإن كان يدرك يقينًا حينها أنها منظمات تخريبية، وظن أنه سيصل إلى حل بطريقته هذه، فهذه حماقة أكبر، فهو لم يجلب لنا إلا العار، أهاننا وأهان هيبة قضائنا.

 يمكننا أن نقارن، بشكل أو بآخر، بين موقف المجلس العسكري هنا وبين موقفنا بشأن قافلة شريان الحياة في عهد أحمد أبو الغيط، وهو الوزير الذي كان بمثابة انتكاسة للخارجية المصرية لعدم أهليته على إدارة أي أزمة، فبدلا من تناول الموقف حينها بحكمة صعدنا الأمر واتُهمنا بالخيانة وحصدنا العار لإيقاف وتعطيل القافلة، ثم بررنا ذلك بأنها محاولة للنيل من مصر التي كانت وستظل تدعم القضية الفلسطينية، لتلعب نظرية المؤامرة دورها مرة أخرى وتستغل للتغطية على المتآمرين الحقيقيين.

 المجلس العسكري امتداد لنظام قديم اتبع نفس النهج وله نفس الحماقات، كلاهما يتخذ خطوات غير محسوبة معتمدًا على التوجه التلقائي لبعض بسطاء الشعب نحو تبرير أي أمر بأنه جزء من نظريات التآمر على مصر التي يتخلص منها النظام دائمًا بـ “صفقات لولبية”، كل التطورات الجارية تشير إلى ضرورة رحيل المجلس العسكري، لكن حتى إن كان ينتوي الرحيل، ما المدة التي نحتاجها لننظف الساحة من كل القذارات الموجودة بها.

أضف تعليق